وقد أشرنا في العدد قبل الماضي الى مؤتمر الجمعية في منطقة كاريواتام سنة 1945 برئاسة العالم العلامة شمس العلماء قطبي محمد مسليار ودوره في إعلاء أهداف الجميعة في مواجهة أهل البدع ودحض شبهاتهم في مليبار ، وقد انعقد هذا المؤتمر في وقت كان فيه رئيس الجمعية الشيخ نور الدين أحمد كوتي مسليار الفانغي رحمه الله ملازما لمرض الموت وانتهض بسببه رموز البدع وأعداء الجمعية ، وقاموا بنشر أكاذيب وشبهات في المجتمع الإسلامي استغلالا بغياب الشيخ الفانغي من مجال الدعوة ،
وبدت تتأثر تلك الشبهات والأكاذيب في أوساط الأمة الإسلامية ، وفي هذه المرحلة الخطيرة التي تمر بها الجمعية بسبب فجوة ناشئة من غياب داعية مستنير مثل الشيخ الفانغي رحمه الله برزت شخصية العالم العلامة الشيخ رشيد الدين موسى مسليار رحمه الله.
وفي الحقيقة كانت هذه الفجوة ضخمة وشاسعة في تلك الفترة حيث كان الشيخ الفانغي رحمه الله معقلا متينا وصرحا مشيدا ضد التيار البدعي وكان هو العقل المدبر وراء المؤتمرات التي مضت في تاريخ الجميعة ، وثقافته الواسعة في العلوم الدينية وموهبته الفذة في فن الخطابة والكتابة وصوته الجوهري الإحساسي في جذب أسماع الحاضرين وغيرها من المواهب والقدرات قد انفردت في شخصيته فقط دون غيره من العلماء ، فغياب هذه الشخصية من مجال الدعوة كان خسارة فادحة لحركات الجمعية ونشاطاتها خصوصا في وقت استغلت فيه القوى البدعية لتلك الفجوة الناشئة لترويج أفكارهم الباطلة.
وفي هذا الوقت تقدم الشيخ العالم رشيد الدين موسى مسليار الى ميدان العمل لصالح الجميعة ومواجهة القوى العدائية لها ، وكان هو الآخر صاحب مواهب جليلة وشخصية بارزة ينبغي ان يتحلى بها الداعية لمواجهة أعدائه ، وتخطى فضيلته الى ميدان العمل بتأليف كتاب ” القول الشديد في رد التوحيد” ردا لكتاب ” التوحيد لابن عبد الوهاب ” المترجم الى اللغة المليبارية والمنشور من منطقة كانور ، وقد نشر كتاب الشيخ في ستة أجزاء بخط ” عربي ملايالام ” مع تقريظ كبار العلماء مثل الشيخ قطبي محمد مسليار والشيخ عبد الرحمن مسليار بانايكولام والشيخ موسى كوتي حاجى بالوت تلميذ العالم العلامة الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله.
وشاع صيت الشيخ موسى مسليار في ديار مليبار بتأليفه المذكور ، وكان يشتغل جل أوقاته في رد أهل البدع ودحض شبهاتهم وقام بتحدي المبتدعة ودعاهم الى مؤتمر كاريواتام للمناظرة معه ، ولكن المبتدعة لم يلبوا دعوته للمناظرة خوفا من مواجهته مباشرة ، وكان ذلك سببا لإقبال عدد كبير من الجماهير الى المؤتمر وغلبة صوت أهل السنة والجماعة على المبتدعة الضالة ، كما استشعروا أيضا بأن جمعية العلماء لم يضعف قواه بمرض مؤسسها الجليل الشيخ الفانغي رحمه الله ، وجهوده البارزة لتحقيق نجاح المؤتمر في وقت كانت فيه الجمعية أشد الحاجة الى أمثاله لغياب قائدها الأعظم وصوتها الرسمي من ميدان العمل أدت الى حسبان مؤتمر كاريواتام ضمن أهم الخطوات التي مرت بها الجمعية في تاريخها المنصرم.
كما كان فضيلته هو العقل المدبر وراء المؤتمر السابع عشرة للجمعية في منطقة سوق السمك (مينجاندا) بكاليكوت المنعقد في 15،16،17 مارس 1947 تحت رئاسة مفتي الهند آدم حضرة ، ويتميز هذا المؤتمر بالقرار الذي إتخذت الجمعية فيه حول ترجمة خطبة الجمعية في لغة مليبار وبموقف علماء مجلس الشورى بأنها بدعة منكرة ، وكان ذلك في ظروف بدأ فيها بعض المبتدعة لترجمة خطب الجمعة فوق المنابر زعما بأن الخطبة لا بد أن تكون مفهومة للجميع وبالتالي ينبغي ان تكون في اللغة المحلية ، وفي الحقيقة كانت هذه شبهة أثارها أهل البدع في الشريعة الإسلامية في منطقة يسكن فيها الشافعية الذين يرون ضرورة وقوع الخطبة في اللغة العربية مع أن المبتدعة كانوا في بداية الأمر مختلفين في آرائهم حول الترجمة ، فكان موقف علماء الجمعية وقرار المؤتمر حاسما في دحض شبهات المبتدعة وازالة شكوك العوام من المسلمين حول الموضوع ، كما ساعدت فتوى العلماء حول الترجمة على محافظة التقاليد التي استمرت في ربوع كيرالا منذ دخول الإسلام على أيدى الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، وقد تقدم الشيخ العلامة قطبي محمد مسليار رحمه الله بقراءة القرار السابق في المؤتمر مع تأييد من فضيلة الشيخ رشيد الدين موسى مسليار .
ولد فضيلة الشيخ رشيد الدين موسى مسليار في قرية بوراتيل سنة 1904 في أسرة تنتمي الى الشيخ الولي العارف بالله عبد القادر الثاني شيخ الطريقة النقشبندية ، وكان والده الشيخ عبد الرحمن الفرطوي ، وكان الشيخ رحمه الله صاحب هيبة ووقار يقع عليه الأنظار في بادي الرؤية شبيه لمولانا محمد على المناضل الشهير ضد القوى البريطانية في ربوع الهند في الخلقة والهيئة ، كما كان صاحب موهبة فذة في فن الخطبة والمناظرة حيث تميز من أقرانه بفصاحة لغته وبلاغة لسانه وقدرته الفريدة في التحدي والمهاجمة على الخصوم ، وجال في ربوع كيرالا بتحدي المبتدعة للمناقشة والمناظرة حول المسائل العقدية التي أثاروها في المجتمع الإسلامي بعد ملازمة الشيخ أحمد كوتي مسليار الفانغي رحمه الله لمرض الموت ، ورغم أن حاولوا لتصدي فضيلته وإيقاعه بالكيد والخيانة في كاليكوت وأريكود إلا انهم لم ينجحوا في مواجهته ومناظرته حتى رآه المسلمون سيفا مسلولا للسنة والجماعة في ديار مليبار ، كما كان فضيلته عازما لإعادة نشر جريدة البيان ـ المجلة الرسمية للجمعية ـ حتى قررت الجمعية لشراء مطبعة عربية لها.
وما حظيت مليبار كثيرا بحضور هذا الشيخ الجليل في أسقاعها حيث انتقل الى رحمة الله في مستشفى إيراناكولام عقب المؤتمر السابع عشرة في ” مينجاندا” بكاليكوت سنة 1948 ، جمعنا الله معه في جناته النعيم يوم القيامة آمين.